الواجب والممكن معيارا تخييليّا
الملخص
يتناول هذا البحث مسألة "الواجب والممكن" من زاويتين أساسيّتين: تربط الزّاوية الأولى ثنائية الواجب والممكن بمقولة الجهة باعتبارها مقولة فلسفيّة منطقيّة مُنطلقُها مفهومٌ أرسطيّ موضوعيّ يحصر معيارَ الصّدق الثنائيّ القيمة في مطابقة الواقع، وتوضّح ما شهدته هذه الثّنائيّة من تحوير وتوسيع في إطار المنطق الجهيّ المتعدّد القيم وعلم دلالة العوالم الممكنة، لتستقيم منها لمنظّري الأدب السّبيلُ التي تنتقل بها إلى علم دلالة التّخييل الأدبي، وتغدو أداة أساسيّة في تصنيف العوالم التّخييليّة وبنائها. وتنعقد زاوية النّظر الثّانية على الواجب والممكن باعتبارهما معيارا تخييليّا محدِّدا لبنية العالم التّخييليّ الدّاخلية من ناحية، وعلاقته بالموجود في الوجود من ناحية ثانية.
وبناء على ما تقدّم كلّه، رأينا أن نتبيّن حضور الواجب والممكن في "فنّ الشّعر" لأرسطو باعتباره أوّل كتاب يُجرى فيه هذا الزّوج خارج نطاق المنطق، قبل أن نتتبّع حضوره في السّرديات المعاصرة في صيغتها المنفتحة على نظرية العوالم الممكنة.
وتبعا لذلك، يمكن أن ننظر في مسألتين قصصيّتيْن بارزتين تعلّقتا بالواجب والممكن سواء في صورتهما الأرسطية القديمة أو في صورتهما المعاصرة المُوَسَّعة. تتعلّق المسألة الأولى بما يتّجه العالم التّخييليّ إلى تصويره من تجربة الوجود، ومدار المسألة الثانية على دور المقاييس المنطقيّة القائمة على الواجب والممكن في تشكيل بنية العالم التّخييليّ الدّاخلية.
فكيف يحضر الواجب والممكن في الدّرس الأدبي؟ وما المعاني التي ترجَّحا لها بخروجهما إلى هذا المجال الجديد؟ وهل يقتصر دورهما على بناء العالم التّخييليّ الدّاخلي، أم يتعدّاه إلى علاقة العمل الفنّي بالخارج؟ وإذا كانت العلاقات في العالم الفنّي من جنس العلاقات في العالم الواقعي، فأين تكمن حرّية الفنّان في تجاوز إكراهات الممكن والضّروريّ التي تفرضها الحياة الواقعية؟