جدلية الصمت والكلام في التراث العربي
الملخص
جدلية الصمت والكلام في التراث العربي
د.عبدالله بن سالم الخلف
أستاذ الأدب المساعد، كلية العلوم والآداب بالرس
Ask1373@yahoo.com
(قدم للنشر في 23/2/1430هـ؛ وقبل للنشر في 9/7/1430هـ)
ملخص البحث. في عصرنا الحاضر فتحت أبواب واسعة أمام الكلمة، وأصبحت حرية التعبير من الحقوق الأساسية التي تكفلها دساتير الدول. ولابد لتراثنا الثقافي من أن يلقي بظلاله على الآراء المتداولة في هذه القضية في المجتمعات الإسلامية، ويؤثر فيها.
وقضية الكلام والصمت من القضايا الجدلية التي انقسمت فيها الآراء منذ وقت مبكر؛ حيث نلاقي كثيرا من المأثورات التي تؤيد هذا الموقف أو ذاك. وبالنظر فيما كتب في الموضوع أو قيل فيه، نجد الأكثرية تميل إلى تأييد الصمت. في حين أن هناك من وقف موقفا وسطا، أو اكتفى بنقل أقوال الطرفين دون تأييد لأي منهما.
ويعد الجاحظ من أوائل الذين كتبوا في هذا الموضوع، فقد طرقه في غير موضع من كتبه مؤيدا للكلام غالبا. ونرى معاصرا له هو ابن أبي الدنيا يتبنى الموقف المضاد، ويؤلف رسالة يحشد فيها عددا كبيرا من المأثورات المؤيدة للصمت. ويدل ما كتب خلال الفترة الأولى من العصر العباسي على قوة الصوت المؤيد للصمت، ثم ازداد ذلك قوة مع مرور الزمن واتجاه الأمة نحو الضعف. فالمعري يدعو إليه لأسباب نفسية أو فلسفية، وأبو حامد الغزالي يرى من منطلقات صوفية انسحابية أن ثلاثة أرباع الكلام لا خير فيه والباقي لا يسلم من الخطر.
وبينما يرى مؤيدو الكلام أنه أمر سلبي وتعطيل لنعمة وهبها الله للإنسان، وأنه لولا الكلام لفقد الإنسان ثروته المعرفية وكثيرا من إنجازاته، فإن هاجس الخوف والحذر المنبعث من أسباب دينية أو سياسية أو اجتماعية، كان هو الحجة الكبرى لمؤيدي الصمت. وقد تمكنت قوة الدفع الحضاري في القرون الأولى من التغلب على بعض الآثار السلبية المتوقعة للتخويف من الكلام، ومع تلاشي تلك القوة واتجاه الأمة نحو الضعف، بدأت هذه الآثار تظهر بشكل أوضح على المشهد الحضاري، وتمثل ذلك بشكل خاص في ضمور الحركة الإبداعية، وتدهور المشهد السياسي.