إيديولوجية الإقصاء وإثبات الهوية
الملخص
إيديولوجية الإقصاء وإثبات الهوية
في مختصر رحلة أفوقاي الأندلسي "الشهاب إلى لقاء الأحباب 1611-1613م"
د. نضال "محمد فتحي" الشمالي
أستاذ مشارك في الأدب الحديث ونقده
جامعة البلقاء التطبيقية، الأردن
ملخص البحث. تأتي رحلة أحمد بن قاسم الحجري الملقب بـ "أفوقاي" الشهاب إلى لقاء الأحباب 1611 – 1613م في سياق أكبر عملية تطهير عرقي شهدتها أوروبا في القرون المتأخرة في حق الأندلسيين الموريسكيين والموريسكيون هم مسلمو الأندلس الذين بقوا في الجزيرة الأيبيرية بعد سقوط غرناطة عام 1492م ، ثم أجبروا على التنصّر وتعرضوا لتنكيل شديد من محاكم التفتيش الإسبانية، فحرموا لغتهم العربية وعاداتهم وملابسهم التقليدية وأسماءهم وصُيّرت مساجدهم كنائس وحُرقت كتبهم، إلى أن صدر قرار بطردهم من الأندلس عام 1609م إلى شمال إفريقيا.
لقد كان خروجهم على هذه الشاكلة، بعد قرن من سقوط الحكم الإسلامي في الأندلس، وإحلال هوية مكان هويتهم يؤذن بازدواجية ثقافية وتنازع خطير تسعى رحلة "أفوقاي" للأندلس وأوروبا إلى حسمها من خلال سياسة إقصاء الآخر.
لقد ارتبطت دواعي رحلة "أفوقاي" الخطيرة المواكبة لمرحلة التهجير القسري لبني قومه بتكليف رسمي من السلطان زيدان (ت 1628) حاكم المغرب، يقضي بتقلّده سفارة باسمه لبعض ملوك أوروبا طالباً فيها رد حقوق الموريسكيين المنهوبة من أصحاب السّفن التي أقلّتهم إلى الشواطئ الإفريقية، و"أفوقاي" وهو الأحقّ بهذه السفارة معرفة ولغة جراء إتقانه لها وسعة معرفته، قد اتخذ منها نافذة للتعبير عن هويته العربية الإسلاميّة وثقافتها الراسخة في مواجهة هوية فُرضت عليه قسراً وعلى أبناء جنسه قرنا من الزمان قبل هروبه من الأندلس.
لقد جاءت هذه الرحلة إعلاناً لهويته العربية الإسلامية وإقصاء لهوية الآخر، بل إثبات بطلانها وقصورها، ورغبة ملموسة في تحقيق اندماجين حضاري ولغوي في ثقافة بلاد المغرب ومصر والاعتزاز بها والحرص على إبراز معالم تفوقها.
وخطاب هذه الرحلة ينفتح على أكثر من مشهد ثقافي ويظهر ثراء يسمح بإمكانات هائلة أقلّها رؤية عربية جغرافية إلى ما وراء ديار الإسلام، وإعلان المثقّف العربي نفسه قادرا على التفاعل مع الآخر تحقيقا لمبدأ التعويض، دفعا لنظرية تقليد المغلوب للغالب والانبهار به، لذا تحرص هذه الدراسة على تقصي خطاب هذه الرحلة الواقعة بين ثقافتين قوميتين متباينتين جعلت من الرحلة نصّا ثقافيا متصارعا مع ذاته تارة ومع الآخر تارة أخرى.
وعليه، كيف ظهرت ملامح (الآخر) في هذه الرحلة؟ وكيف وازن الكاتب بين (الأنا) الجديدة التي وفد إليها، و(الآخر) القديم الذي تخلّص منه؟ وهل سمح الراوي بمبدأ تعدد الأصوات؟ وما أبرز التقنيات السردية واللغوية التي استجار بها في ظلّ تراجع تراجع مستوى الموريسكيين اللّغوي نتيجة تعنّت (الآخر)؟ وكيف صوّر الكاتب نفسه في ديار (الآخر) بعد أن عاد إليها رسولا؟ ولماذا عمد إلى حشد الكثير من المسائل الفقهية والجدلية بين الديانات الثلاث ؟ ثم إلى أيّ حدّ أسهم ذلك كلّه في مبدأ بناء (الأنا) وإقصاء (الآخر) في تاريخ مفصلي قوامه الحرب والسّلم ؟