ثقافة الحوار مع الآخر في نماذج من الأدب الجاهليّ
Abstract
ثقافة الحوار مع الآخر في نماذج من الأدب الجاهليّ
د. عمر عبد الله أحمد شحادة الفجّاويّ1، و د. ريم فرحان عودة المعايطة2
1 أستاذ مشارك، قسم اللغة العربيّة وآدابها، كلّيّة الآداب
الجامعة الهاشميّة، التّخصّص الدّقيق: الأدب الجاهليّ
2 أستاذ مشارك، قسم العلوم الإنسانيّة، كلّيّة الهندسة التّكنولوجيّة، جامعة البلقاء التّطبيقيّة
التّخصّص الدّقيق: علم اللغة الحديث والنّحو والصّرف، المملكة الأردنّيّة الهاشميّة
ملخّص البحث. من أظهر صفات العربيّ في الجاهليّة معرفته لثقافة الحوار، فقد ألفيناه محاورًا فذًّا في الدّفاع عن حقوقه، يحاور نفسه، ويحاور الآخر، فمحاورته نفسه دالّة على تقليبه الأمور من أوجهها جميعها، ومحاورته الآخر دالّة على تقبّله لهذا الآخر، فهو زوجه الّتي يحاورها، وابنته الّتي يستمع إليها وإلى شكواها، حتّى إنّ هذا الآخر هو ناقته الّتي يحسّ بها وينطقها، كما صنع المثقّب العبديّ وعنترة.
وهذا الآخر كذلك : هو الملوك الّذين وفد إليهم، كما نرى في أدب السّفارات عند النّابغة الذّبيانيّ، وعلقمة بن عبدة، والمثقّب العبديّ، و هو التّاجر في السّوق كما عند الشّمّاخ، وهو الأشياء من حوله، كالأطلال والليل.
لقد استطاع العربيّ بالحوار أن يحاجج ويقرع الحجّة بالحجّة، فقد وصف الله تعالى في كتابه الكريم عربَ الجاهليّة بذلك، إذ قال: "بل هم قوم خصمون"، وقال: "ولتعرفنّهم في لحن القول"، وقال :"وإن يقولوا تسمع لقولهم".
وحين ننظر في آيات الكتاب العزيز، نجد عددًا كبيرًا منها تتحدّث عن الحوار وشؤونه كالمجادلة والمراء، وهذا ينبىء عقليًّا بأنّ العرب كانوا أمّة تؤمن بثقافة الحوار وثقافة الاختلاف، فقد قال تعالى :"ومن آياته خلق السّماوات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم"، فقد جعل الاختلاف آية من آياته في الكون، فبه تتعاضد الأفكار، وتتعدّد الأنظار، وتقوى الفِكَر وتتسامى الحجج، وما دام الأمر كذلك، فالله تعالى أنزل القرآن الكريم على العرب، وتحدّاهم به، ولا يمكن أن يتحدّاهم إلا بما يعقلون ويفهمون.
من هنا، يأتي هذا البحث ليكشف عن ثقافة الحوار وقضاياها في الأدب الجاهليّ : شعره ونثره، مستنيرًا بنصوص دالّة على ذلك، ومؤكّدًا لما جاء في القرآن الكريم، وهو يهدف في المقام الأوّل إلى إزالة التّهم عن العرب عامّة وعرب الجاهليّة خاصّة بأنّهم قوم جهلاء، إذ إنّهم أصّلوا ثقافة الحوار مع من حولهم وما حولهم، فالعرب هم الّذين وطّدوا دعائم هذه الثّقافة وأشاعوها بينهم، وجاء الإسلام ليؤكّد ذلك ويتمّمه. وما المحاورات الّتي رأيناها بين القبائل وأفرادها ورؤسائها، وما الشّورى الّتي جاء بها نبيّنا، صلّى الله عليه وسلّم، في بدر وغيرها إلا حجّتنا البالغة في الرّدّ على ترّهات المبطلين وفِرى الخرّاصين، الّذين يرمون أمّتنا بالتّطرف والتّعصّب وعدم قبول الآخر.