منهج أبي عبد الله بن عمرون فيما أُثِرمن كتابه
Abstract
منهج أبي عبد الله بن عمرون فيما أُثِرمن كتابه
(شرح المفصّل)
د. محمد بن إبراهيم بن صالح المرشد
قسم اللغة العربيّة وآدابها
جامعة القصيم
ملخَّص البحث. جاءت هذه الدراسة لتكشف عن أهمّ الظواهر المنهجيّة للإمام العلامة ابن عمرون فيما أُثر من كتابه (شرح المفصّل)، وهو البقيّة الباقية من آثار هذا العلم من أعلام العربية، فقد انقطع تراثه إلاّ ما نقله لنا عنه الخالفون من آراءٍ و أقوال.
وابن عمرون هو محمد بن محمد بن علي بن أبي سعيد بن عمرون جمال الدين أبو عبد الله الحلبي النحوي.يُكنى أبا عبد الله، وينعت بجمال الدين. ولد سنة 596هـ تقريبًا، وتوفى سنة 649هـ.
ومن هذه الآثار باب (ما ينصرف وما لا ينصرف )، وهو قطعة من كتابه ( شرح المفصل ) المفقود يسّر الله حفظه على يد تلميذه صاحب كتاب (شرح المقرّب) المسمّى: (التعليقة)، بـهاء الدِّين بن النّحاس الحلبي، المتوفى سنة 698هـ، فنقله كاملًا. وبالإضافة إلى ذلك ما ورد متناثرًا في بعض الكتب.
وقد اتَّجهْتُ للعناية بهذا المأثور.فجاءت الدراسة للتعريف بأهم الظواهر في منهجه، و تسليط الضوء على هذه الشخصية العلمية التي قلّت الدراسات حولها ؛ لقلّة ما وصلنا من أثارها. فكان من أهم الدوافع لهذا العمل هو كشف الغموض حول هذه الشخصيّة.
مهَّدتُ للدراسة بتعريف موجز بابن عمرون، وعصره الذي عاش فيه، والعوامل المؤثرة في شخصيَّته، وهو عصرٌ كثُرتْ فيه الأحداث والفتن، ثمَّ خضت في بيان الظواهر التي استوقفتني في عرضه للمادة، فجاءت في ستة فصول موجزةٍ لكنَّها كاشفة عن شخصيَّته ومنهجه في عرض المادة، فتحدَّتْتُ عن أسلوبه من حيث الوضوح و عدمه، وطريقته في إيصال الفكرة إلى القارئ مع ما في كلامه من تشعُّبٍ وثراء، وقد بان حرصه على وضوح العبارة، وتقديم الأفكار للقارئ بأسلوبٍ مرتبِ الأفكار، سهلِ الألفاظ ؛ وذلك بنهجه لطرقٍ تعين على فهم القارئ.
كما عرضت لظاهرة الاستطراد، وأهمِّ مظاهرها وطبيعتها، و أظهرت الدراسة أن هذه الظاهرة جاءت لكثرة مسائله، وعنايته بالخلاف النحوي، وحرصه على الاستقصاء، وتعدد المصادر وتنوُّعها من الرجال والكتب، وهو ما يكشف عن غزارة علمه، وسعة اطّلاعه، وإفادته من السالفين من أئمّة النحويين وغيرهم من المفسرين واللغويين والقرّاء. فجاءت استطراداته مفيدة.
كما أظهرت علو كعب ابن عمرون في النَّحو والتَّأليف، فحضور الرجل، وما أبداه من اعتدادٍ بفكره يُظْهِرُ قوَّةَ شخصيّته كما يظهر في ردوده، وترجيحاته، واستدلالاته.
وبيَّنتْ الدراسة دقته وتوثيقه للمنقول مما يدلُّ على أنّ ابن عمرون من الأئمة المحقِّقِين المدقِّقِين فيما ينقلون، فقد حرص على نسبة الأقوال والأدلة غالبًا، وعزا الآراء إلى أصحابها، وعني بالسند في بعض المواضع. وبانَ لنا من خلال الدراسة حرصُه على الاعتدال والإنصاف في الأحكام والآراء، وعدم التكلُّف والتحيّز في التوجُّه و التوجيه. ومن ينظر في كلامه يجد الكثير من الآراء والتوجيهات الجديدة التي لم يسبق إليها مما يدلُّ على دقة في النظر و براعة في الإبداع.
وكشفت موقفه من الأصول النحويَّة: السماع بأنواعه، والإجماع، والقياس، فأظهرت احتكامه إلى هذه الأصول في كثير من المسائل واستدلاله بالمسموع، وما أجمع عليه، كما أنَّه يقبل أو يردُّ بناءً على موافقة القياس أو مخالفته، وإن كان يرى أنَّ السماع مقدَّمٌ على القياس. وبان أنَّه عني بالتعليل للأحكام والآراء والتوجيهات والترجيحات، مما يكشف عن عقليةً فذّةً وظَّفَتْ هذه الأدلة لخدمة العربية، كما بيَّنت موقفه من الضرورة الشعريَّة حيثُ صرَّح به في أكثر من موضع، فيجوز في الشعر ما لا يجوز في النثر إلا أنَّه لا يكون فيه شيءٌ من مخالفة الإعراب المتّفق عليه، وعني بالمصطلحات والحدود.
كلُّ هذا وغيره مما تكشفه هذه الدّراسة يشهد بإمامة ابن عمرون،، والاجتهاد في نفع القارئ، وهذا ما يكشف لنا عن السبب في كثرة النقل عنه مع قلّة ما وصل من تراثه.
و أخيرًا أسأل الله أن تكون هذه الدراسة من الدراسات التي أنصفت هذا العلم الذي قلَّ الحديث عنه، وقرَّبت بعض معالم شخصيَّته، كما أسأله - سبحانه وتعالى – السداد في القول والعمل.