الثقافة المضادة في الخطاب الشعري القديم عند العرب
الملخص
خضع الخطاب الشعري العربي لسلطة الثقافة السائدة التي تمثلها سلطة الكتابة والسلطة السياسية اللتان تكوّنان طرفين متكاملين؛ إذ لا يمكن وجود مجتمع أو ثقافة بغياب أحدهما، فتكاملهما ينتج مجتمعاً منظماً تسوده ثقافة واحدة تحكمها منظومة القيم المجتمعية والفنية والتعبيرية السائدة.
ولئن كان الأدب العربي لم يساير معايير السلطتين معا في عصوره كلها، فإنّ الخروج على تينك السلطتين قد اتخذ ــــ عموما ــــ وجهتين مختلفتين، وقد كان في إحداهما خروجاً جزئياً ذا بعد تطوري، عبّر عن صراع خصب بين القديم والجديد، وأفضى إلى نتائج مثمرة على المستويين الإبداعي والفني دون الانفكاك الكلي عن جمالية النموذج وسننه. فكان الخروج حينئذ خروج بناء وتكامل محدَّدين بما تتيحه الثقافة السائدة من مساحة لحرية الإبداع. وعبر في الوجهة الأخرى عن صراع اجتماعي نتج عنه انحراف قيمي، ونحا إلى تأسيس ثقافة مضادة تتعارض ومنظومة المجتمع الفنية والقيمية، فكان الخروج هنا خروج هدم وتقويض وانفصال.
ويهدف البحث إلى إبراز مفهوم الثقافة المضادة وتجلياتها في الشعر العربي القديم، والدوافع التي دفعت الشعراء إلى خلخلة المفاهيم والتمرد المؤدّيين إلى الانفصال والتنافر مع ثقافة الجماعة، وهذا يخرج عن مفهوم الاختلاف إلى التضاد الذي ينحو منحى تدميرياً للقيم النسقية التي تؤمن بها الجماعة.
وسيعتمد البحث على آليات القراءة الثقافية؛ للكشف عن الأنساق المضمرة في نصوص الثقافة المضادة لدى بعض الشعراء، والنظر إليها في ضوء الثقافة التي أنتجتها، والإفادة من مناهج التحليل المختلفة، وتأویل النصوص، ودراسة خلفيّتها التّاريخيّة.